bawzan (( افـعـى الـهـكـر الـمــبـدع ))
من الذي دعاك : آعجبآب بمستر كريزى ومستر ايرور الابراج : عدد الرسائل : 483 تاريخ الميلاد : 24/11/1991 الموقع : افاعى الهكر الهواية : تعـًَلم الهكــر للدفآع عن الاسلام والمسلمين البلد / المحافظة : مصر نقاط واوسمة : 670 تاريخ التسجيل : 03/08/2011
| موضوع: لغز الحياة......... الثلاثاء أغسطس 09, 2011 6:59 pm | |
| كانت تعرف أنه مستيقظ رغم أنه لم يتحرك. لكنها بغريزة غامضة شعرت بأنه لم ينم بعد. كان الظلام مهيمناً على الغرفة، لا تبدده إلا أضواء الشارع المتسربة عبر الستارة الرقيقة، والصمت سائد فيما عدا احتكاك إطارات السيارات المُسْرعة بالأسفلت. راحت ترمق هيكل زوجها المتسربل فى الظلام وتفكر فى أنها - على خلاف النساء جميعا - لا تعرف الكثير عن زوجها. كان دائما غامضاً، مُتحفظاً، منطوياً على نفسه، محتفظاً عن الناس بمسافة. وتنهدت وهى تفكر أنها لم تتمكن يوما من امتلاكه. لكن الأمور تفاقمت فى الأسابيع الأخيرة، حتى صار كطير حبيس يرتطم جناحاه بجدران القفص وهو يحاول الانطلاق. وفجأة تردد صوته عميقاً فى سكون الليل: «مستيقظة؟»، ردت فى قلق: «نعم». صمتَ طويلاً حتى ظنت أنه لن يتكلم. ثم قال بنبرة غريبة: «سأسافر». قالت فى دهشة: «ماذا؟ إلى أين؟»، قال بصوت مبحوح: »لا أدرى». سألته فى عصبية: «ومتى تعود؟»، قال فى يأس: «لا أدرى». قالت فى حدة: «وماذا أقول للأولاد؟» قال فى ضيق: «قولى أى شىء، مسافر فى عمل وسأعود». سألته بصوت مُختنق: «هل تحب؟ أعنى هل توجد امرأة أخرى فى حياتك؟». ضحك فى استغراب يدل على أن الفكرة لم تخطر بباله. قال فى صدق: «كلا طبعا». قالت وكأنها تكلم نفسها: «إذن لماذا؟ هل أسأت إليك؟ هل توجد مشاكل فى العمل؟». قال فى لهجة قاطعة: «لم تكن الأمور أفضل مما هى عليه الآن». قالت فى يأس: «إذاً لماذا تهجرنا؟». قال فى ألم: «معاذ الله أن أهجركم، كل ما هنالك أننى أريد أن أخلو بنفسى لفترة». سألته: «إلى متى؟». رد فى إحراج: «حتى أجد ما أبحث عنه». قالت فى رقة وهى تتحسس شعره: «وما الذى تبحث عنه؟ خبرنى ما الذى تفكر فيه بالضبط، ربما أشاركك البحث أنا الأخرى؟». قال وكأنه يكلم نفسه: «أبحث..أبحث عن معنى الحياة». فى اليوم التالى، عند الفجر، قبل أن يستيقظ أحد، كان قد تسلل من البيت. ألقى نظرة على أطفاله النائمين فى دعة فأوجعه قلبه. لم يحمل معه حقيبة ولا مفاتيح ولا هاتفاً. كان الطريق شبه مظلم، وخالياً من الناس. ودبَّ الشحوب فى السماء، وبدأ النور ينبث فى الأفق الشرقى، ثم احمر لون السماء، ثم اكتمل مهرجان الألوان الحافل على شرف الشروق. قال بصوت عال تردد فى الشارع الصامت: «حسن أن ينبلج الفجر ولكن ماذا عن فجرى أنا!»، وفكّر فى ملايين البشر الذين شاهدوا هذا المشهد الجليل قبله، وتصوروا أنه ينعقد خصيصا لهم، وفكر أيضا أن الإنسان ضيف عابر على هذا الكون، وإن كان غروره يصوّر له أنه صاحب المكان. السرُ أُغلق والطمأنينة امتنعت، ولم يبق له سوى الانعزال للتأمل. ذهب إلى أحد الشواطئ المهجورة، وكان الوقت شتاء، فاستأجر كوخاً صغيراً خالياً من التليفزيون وجميع وسائل الراحة، مصمماً على أن يبقى هو والكون وجها لوجه، محاولاً أن يستنطقه عن لغز الحياة. الناس يركضون خلف لقمة العيش وتستنزفهم الاهتمامات الصغيرة، ويغفلون عن المعنى الكلى للحياة. غير معقول أننا جئنا لنذهب! لابد أن هناك شيئا لا يفهمه. مرت الأيام، لم يحاول أن يحصيها. لكنه شعر بتغيرات فى داخله، وكأنه ينخلع من ذاته رويداً. ورغم أنه لم يعد ينام إلا قليلا، فإنه كان يستيقظ شاعراً باليقظة الباهرة. يتسلل من الكوخ الذى أناره الشعاع الأول من الفجر، ليبلل أقدامه بموج البحر، ويصغى للأمواج المتعاقبة ذات الأصوات الرتيبة، التى يؤمن إيمانا جازماً بأنها لغة مجهولة ذات مقاطع صوتية متكررة، تحاول أن تنقل له رسالة بما شاهدته فى رحلتها الأبدية. لماذا جئنا؟ وما قيمة أن نحزن ونفرح! ونملّ وننفعل! ونركض خلف الأمنيات، والموتُ قادمٌ كقدر لا مفر منه! كثيرة هى الأسئلة التى يجهل جوابها! هذا الكون البديع، المتناسق، الفياض بالحياة، المُوحى بالأمل، لماذا يمضى إلى غايته غير عابئ بعذابنا؟ كم من سلحفاة انقلبت على ظهرها وماتت موتاً بطيئاً من العطش والجوع! وكم من غزال أماته الرعب قبل أن ينشب الأسد مخالبه؟ وكم أحب الإنسان مرة بعد مرة، يُعطى المواثيق الغليظة بأنه الحب الأخير! ثم تمر الأيام فإذا بهما يلتقيان كالغرباء! أليس مهينا أن نحب ثم ننسى؟ فلماذا يكون الكون بهذا الكمال وتكابد مخلوقاته النقص المريع؟!. أسئلة كانت تهاجمه! فيتجاهلها، لأنها تؤلمه، واليوم قد جاء يجابه الكون وجها لوجه، باحثا عن إجابات. واستيقظ يوما فى النصف الثانى من الليل، شاعرا بيقظة غير اعتيادية وبأنه على أعتاب السر الخطير. وبغريزة غامضة توضأ وخلع نعليه، وكأنه ينخلع من ذاته بالكلّية، وخرج من الكوخ وقد استولى عليه التهيب. وقف أمام الشاطئ، فى الظلام الشامل، رافعاً رأسه إلى القبة السماوية، المرصعة بما لا حصر له من النجوم، ماداً يديه لأعلى، متوسلاً للسر أن ينطق، وللقناع أن ينحسر. وشرع نسيم البحر يهبّ بقوة، يتخلله وكأنه يُطهّره، يُهيئه لعهد جديد. وهتف هاتفٌ فى نفسه أن السؤال واحد والإجابات متعددة. فتخير منها ما يحلو لك: «التسليم! العجز! الفهم! الرضا!». جميع الإجابات صحيحة إذا سجد القلب، وابتلت العين، وانفتحت شبابيك الروح. وفجأة! إذا بالفضاء اللامتناهى يتحول إلى ساحة مسرح تُعرض عليها مسيرة الحياة منذ خلقها: الميلاد والموت، العناء والراحة، اليأس والأمل، على خلفية من لحن سماوى تعزفه النجوم. وتتابع الزمن وتلاحق، وأمسك بعضه بسياق بعض، فإذا بالنقص الذى توهمه سعىٌ صوب الكمال، وإذا بالسر فوق التفسير! وإذا بكل شىء قد أخلد إلى راحة مُطمئنة فيما عدا الإنسان، الذى يصر على شقاء نفسه بمحاولة تفسير ما يعلو على التفسير. واقترب الفجر، وتوهجت القبة الزرقاء بضياء النجوم المُودّعة. وحلت عليه طمأنينة رطبة، وخُيّل إليه أن نفسه تنطلق فى عوالم لا نهاية لها من السكينة الشاملة والخلود. وسرعان ما أعطى للشاطئ ظهره، وقد أشرق باطنه بالغبطة السماوية، وكأنه اطمأن إلى مصيره فى الحياة. | |
|