السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عجائب غزة السبع تعارف البشر منذ عشرات السنين على ما يسمى بعجائب الدنيا السبع، وهي أماكن بلغت القمة في الإبداع الإنساني عبر التاريخ، وبعضها مازال باقيا كشاهد حي على عبقرية وسمو العقل البشري الذي خلقه الله فأبدعه وصوره، لكن الناظر إلى أرض غزة المباركة بعين البصر والبصيرة سرعان ما يكتشف أنها حققت المدهش والعجيب الذي سيتوقف التاريخ أمامه مبهورا بروعة الإنجاز وعبقرية الفعل.
ويمكن إجمال ذلك في عجائب سبع تفرد بها قطاع غزة:
أولها:أن حكومة غزة -ربما- هي الحكومة الوحيدة في التاريخ الإنساني، التي يعاني شعبها الجوع والفقر الشديد والأزمات الخانقة التي تفوق طاقة البشر، وبرغم هذا لم يثر الشعب عليها ولم يسقطها بل ما زال يحملها على الأعناق،برغم أن الجميع يحاول جعلها السبب الرئيسي لما يعاني منه أهل غزة.
إنها فعلا عجيبة من عجائب الزمان، أن تستمر حكومة تحت هذه الضغوط الهائلة، دون أن تسقط أوتسلم الراية، بل ويحتضنها الشعب ويخفف هو عنها! وإذا سألتني ما هو سر هذا الصمودالعجيب؟ قلت لك إنها -أولا- حكومة مرتبطة ارتباطا وثيقا بشعبها، فليس الشعب هو وحدهمن يعاني –حال معظم الأقطار الأخرى عند الأزمات- بل إن أعضاء هذه الحكومة في مقدمة من يدفع ضريبة الصمود من قوته ودمه وأبنائه.
ثانيا: إن عمقهم الإستراتيجي الداعم لهم -كما يقول أهل السياسة– رأسي وليس أفقيا!! أي سماوي الوجهة، ربانيالتوجه، خاصة بعد أن تنكر لهم الأخ والصديق، وهذه هي الإجابة الوحيدة المقنعة لثباتهذه الحكومة المباركة.
منابع العظمةالعجيبة الثانية من عجائب غزة،هي أهلها المرابطون الذين يثبتون كل يوم بأن منابع العظمة لديهم لا تنضب بل هي دائمة التجدد، بل لعلي لا أكون مبالغا إذا قلت إن أهل غزة الذين حاول البعض الصيد في الماء العكر وتصوير ما حدث على الحدود مع مصر -من هدم للسور الحدودي وتدفق لأهل غزة على رفح المصرية لكسرالحصار- بأنه منقصة وخطأ غير مقبول، أقولها بأعلى صوت بل إن ما حدث على الحدود أثبتبشكل قاطع أن أهل غزة هم جزء من شعب يعد من أرقى شعوب الأرض.
وإذا سألت لماذا؟! قلت لك تخيل معي شعبا محاصرا حصارا ظالما ومجحفا لا مثيل له في العالم -لاماء ولا غذاء ولا دواء ولا كهرباء ولا أي شيء على الإطلاق من مقومات الحياةالأساسية-، وعندما تكسر الحدود ويتدفق مئات الآلاف على رفح المصرية في وقت واحد للتزود بمقومات الحياة لم تسجل جريمة سرقة واحدة قام بها فلسطيني فى رفح، لم تتعرض قافلة مساعدات واحدة للسلب والنهب، بل يضخ هذا الشعب الفقير المحاصر مئات الملايين من الدولارات للاقتصاد المصري.
إنني أتحدى أن تذهب بسيارة تحمل مساعدات إنسانية لأي دولة عربية تعاني الفقر، وتقف بها في ميدان عام وترى ما سيحدث لها،ستختفي المساعدات فى لحظات بل ربما اختفت السيارة والسائق أيضا! أخبرني بربك هل تعرف شعبا على وجه الأرض يصيبه كل هذا الظلم والبغي والعدوان، ويتصرف بكل هذا الرقيوالتحضر وعزة النفس، التي تناطح الجبال؟ نعم إن أهل غزة وخلفهم شعب فلسطين بكاملهم وحدهم عجيبة من عجائب الزمان التي نقف أمامها كالتلاميذ الصغار نستلهم من صمودهم وجهادهم الدروس والعبر.
إنهم يتنفسون الإباء!أما العجيبة الثالثة، فتتمثل في ملحمة الصمود، التي تثير فيالنفس مشاعر من الإجلال والإكبار حتى يظن المرء في بعض الأحيان أنهم يتنفسون الصمود والإباء كما نتنفس نحن الهواء، إن الواحد منا في حياته العادية كثيرا ما يصيبه السخط إذا انقطعت عنه الكهرباء أو الماء ساعات معدودة أو حدث ازدحام في الطريق أوخلل في وسائل المواصلات، أما إذا فقدنا القريب أو الحبيب أو القريب، فلربما نظل نبكيه شهورا طويلة.
أما في فلسطين، فإن منغصات الحياة تصبح هي الأصل، وروتين الحياة اليومي الذي يحياه كل رجل وامرأة وطفل وشيخ، ليس هذا فحسب بل إن حجم المعاناة لديهم يفوق ذلك أضعافا مضاعفة، فالحواجز الإسرائيلية لا تنتهي أبدًا،إضافة إلى التفتيش الذاتي والاعتقالات اليومية ونزيف الدماء المتصاعد يوما بعد يوم،مع حصار خانق وحانق يتجاوز حدود الإنسانية عبر تاريخها الطويل، برغم كل هذا الضغط الهائل ما زال هذا الشعب الصابر يضرب النموذج والقدوة لأمة بكاملها في صمود تنحني الرءوس إكبارا، وصمود لا يعرف التنازل أو الانكسار.
مصانع الرجال وعبقرية البناءتعد غزة، وهذه هي العجيبةالرابعة لأهلها، بمثابة "مصانع للرجال"؛ إذ تشعر وأنت تشاهد أبطالها أنك أمام نوعية متفردة من الرجال قلما يجود بهم زمان أو مكان، فملامح الشموخ ونظرات العزة، التي تلمع في عيون الواحد منهم كافية لأن تطمئنك على مستقبل المسيرة، بلتشعر أحيانا بالغيرة لأنك لست واحدا منهم، ولأنك ووطنك الذي تعيش فيه تفتقدان إلى هذا الطراز النبيل من الأبطال، إلا فيما ندر.
والعجيب أنه برغم صغر أعمارهم فإنك تشعر أن من يتحدث له حكمة الشيوخ التي مزجت بحماس الشباب، فضلا عن أن أسماءمثل إسماعيل هنية ومحمود الزهار وخالد مشعل وموسى أبو مرزوق والشهيد سعيد صيام، ومن الشباب سامي أبو زهري ومشير المصري وغيرهم الكثير والكثير من أبطال فلسطين هم وحدهم عجيبة من عجائب الزمان فسلام لهم ألف سلام.
أما العجيبةالخامسة، فتعبر عنها: عبقرية البناء التنظيمي الفريد لحركة المقاومةالإسلامية "حماس" – ولا أدعي إحاطتي به- فالناظر إليه يستشعر أنه كيان متماسك يتلقى الضربات القاتلة الواحدة تلو الأخرى، وهو راسخ كالجبال، فحركة حماس يتغلغل تنظيمها العنكوبي في كل شبر من أرض فلسطين لا لحمل البندقية فقط ولكن لحمل سماعة الطبيب أوقلم الكاتب أو كراسة التلميذ.
إنه كيان كان ولا يزال يصبغ كل مجالات الحياة المختلفة في فلسطين من مدارس ومستشفيات وجمعيات خيرية ونوادٍ وجميع أنشطة العملالاجتماعي والخيري، ومن المذهل في هذا الكيان تماسكه وانضباطه برغم حجم الضغوط الهائلة التي يتعرض لها كل يوم هذا فضلا عن الخسائر الفادحة في صفوف قادته بشكل مستمر، فنحن كثيرا ما نقرأ أو نسمع عن حركات انفرط عقدها بموت قادتها وتفرقت شيعاوأحزابا أما عجيبتنا هذه فهي أنه كلما استشهد قائد خلفه ألف قائد حتى يخال المرءأنه أمام حركة كلها قادة، اللهم لا حسد!
توظيف المتناقضاتالعجيبة السادسة،هي عبقريةالأداء؛ إذ استطاعت "حماس" بحرفية عالية تحسد عليها أن تتعامل مع تناقضات عدةوظفتها جميعا لصالح مشروعها التحرري، فهي إخوانية الجذور والتفكير والتنظيم، وبرغم هذا استطاعت أن تتعامل مع النظام المصري الذي يكره الإخوان أكثر مما يكره إسرائيل،ونجحت في الحفاظ بمساحة معقولة من العلاقة بين الطرفين، برغم مواقف النظام المصري،التي لا تشرّف أحدا، وفي غالبها تصنف في خانة الضعف والانبطاح.
يضاف إلى ذلك، تعاملها مع سوريا بل ووجود قادة الحركة الأساسيين في دمشق برغم وجود قانون يقضي بإعدام كل من له صلة بالإخوان المسلمين! كذلك تعاملها مع الفصائل الفلسطينية المختلفة، التي تختلف معها في الفكر والحركة والسلوك؛ إذ استطاعت حماس بحنكة بالغةأن تحتفظ دائما بأجندة مشتركة يلتف الجميع حولها، ذلك كله إضافة إلى تعاملها البالغالذكاء مع قوى الصراع المختلفة في المنطقة، وقدرتها على الاحتفاظ دائما بشعرةمعاوية مع جميع الأطراف.
أما العجيبة السابعة لغزة، فتتمثل في المقاومة المتجددة (صواريخ القسام، القنبلة البشرية، قناة الأقصى)،وهذه هي مدافع حماس الثلاثة، وكل واحد منها إعجاز متفرد، فالصواريخ التي تصنع وتطورمن وقت لآخر لتثير الرعب الإسرائيلي برغم البساطة الشديدة في صنعها، لكنها تستمد قوتها من إرادة صانعها ورعاية السماء لها، ليصبح هذا الصاروخ المتواضع هو ميزان الرعب مع العدو الصهيوني.
أما القنبلة البشرية التي تخترق كل الحواجزوالاحتياطات الأمنية الشديدة ليصل الاستشهادي إلى مبتغاه، وينفجر في وجه حفدة القردة والخنازير؛ إذ أن وصوله لهدفه معجزة وانفجاره معجزة، تنحني لها رؤوس الرجال حياء منه، أما قناة الأقصى هذا الوليد الذي شب كبيرا، لتتحول القناة في عدة شهور لاأقول سنين إلى قناة ذات مصداقية عالية، برغم الضعف الشديد في إمكانياتها والظروف الأمنية والفنية الصعبة التي تعمل خلالها، إلا أنها بعون الله استطاعت أن تلفتالأنظار بسرعة كبيرة وتصبح في قائمة القنوات المفضلة لدى الشارع العربي الذي يتلهف على إعلام مقاوم ونظيف، خاصة مع الكم الهائل من القنوات التي تملأ سماء العالم العربي، وتهدم ولا تبني
.
أعلم أن حماس وغزة ومن ورائهما كل فلسطين: الأرض والإنسان والتاريخ لا تنضب عجائبهم؛ لأنهم صنع الله الذي أتقن كل شيء صنعه، انهم ينيرون لنا الدرب ويفسحون لنا الطريق ويخطبون فينا خطبة بالغة بالفعل لا بالكلام،إن طريق النصر تعبده دموع الأسحار، وقطرات الدماء في رابعة النهار، "فهل من متعظ"؟
إذا كنت لا تفهم صديقك في جميع الظروف فأنت لا ولن تفهمه..
إن الإنسان وإن ولد حراً يظلُ عبداً لقساوة الشرائع التي سنها آباؤه وأجداده..
انا برئي الله يحي المقاوة
لا تنسو الدعاءالئخواننى في غزة
مع تحيات ammarna95