كيف تعالج قلبك القاسي ؟
إن الناظر والمتأمل فى أحوالنا وفى أنفسنا وفى تعاملنا مع الله ,
وتعاملنا مع الآخرين يجد قصوراً بينّاً و خللاً ظاهراً,
يظهر في المظاهر الآتية :
* لانشعر بالخشوع فى صلاتنا وعبادتنا .
* عدم التأثر والتباكي عند تلاوة القرآن .
* عدم التورع عن الشبهات فى المعاملات .
* الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين .
* الجفاء وسوء الظن بين الإخوان .
* انتشار القطيعة بين الأسر .
مما يدل على انتشار مرض خطير وهو " قسوة القلوب "
وقسوة القلب ذهاب اللين والرحمة والخشوع ،
وقد ذم الله هذا الداء العضال الذى ظهر فى الأمم السابقة كاليهود وغيرهم ,
فقال سبحانه :
(وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)
الحديد 16
وقال تعالى :
( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)
البقرة 74
قال ابن عباس :
" فصارت قلوب بني إسرائيل مع طول الأمل قاسية بعيدة عن الموعظة بعد ماشاهدوه من الآيات والمعجزات فهي في قسوتها كالحجارة التي لا علاج للينها أو أشد قسوة من الحجارة ".
والقلب القاسي أبعد ما يكون من الله ,
وصاحبه لايميز بين الحق والباطل , ولا ينتفع بموعظة , ولا يقبل نصيحة !
وقد اعتنى الشارع الحكيم بهذا العضو الخطير وسعى الى تطهيره , وتنقيته من الشوائب , وحث العبد على إصلاحه ؛
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
(أَلا وإِنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ وإذَا فَسَدَت فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهيَ القَلْبُ)
متفق عليه.
وقال :
(إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ)
رواه مسلم
حال القلب الصالح :
فالقلب إذا صلح استقام حال العبد وصحت عبادته ,
وأثمر له الرحمة والإحسان الى الخلق ,
وصار يعيش فى سعادة وفرحة تغمره لاتقدر بثمن ,
وذاق طعم الأنس ومحبة الله ولذة مناجاته مما يصرفه عن النظر الى بهجة الدنيا وزخرفها والإغترار بها , والركون اليها ؛
وهذه حالة عظيمة يعجز الكلام عن وصفها ,
ويتفاوت الخلق فى مراتبها ,
وكلما كان العبد أتقى لله كان أكثر سعادة ,
فإن لله تعالى جنتان من دخل جنة الدنيا دخل جنة الآخرة .
حال القلب الفاسد :
إذا قسى القلب وأظلم فسد حال العبد وخلت عبادته من الخشوع ,
وغلب عليه البخل والكبر وسوء الظن,وصار بعيداً عن الله ,
وأحس بالضيق والشدّة وفقر النفس ولو ملك الدنيا بأسرها ,
وحرم لذة العبادة ومناجاة الله وصار عبداً للدنيا مفتونا بها ,
وطال عليه الأمد !!
أمور تقسي القلب :
* الإعراض عن الذكر :
قال تعالى :
"وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(123)
قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى(124)"
وقال الرسول صلى الله عليه وسلم :
"مثل المؤمن الذى يذكر الله والذى لايذكر الله كالحى والميت"
رواه البخارى.
* التفريط فى الفرائض :
قال الله تعالى " فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً"
المائدة 13
* أكل الحرام .:
ذكرالرسول صلى الله عليه وسلم :
"الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ ، يَا رَبِّ يَا رَبِّ ،
وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ"
رواه مسلم.
*فعل المعاصي :
قال تعالى :
( كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
المطففين 14
وورد فى السنة أن العبد إذا أذنب نكت فى قلبه نكته سوداء حتى يسودّ قلبه .
* المجاهرة بالمعاصي :
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
"كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ"
متفق عليه ،
فالعبد اذا جاهر بالمعصية بارز الله واستخف بعقوبته فعاقبه الله بفساد قلبه وموته ,
أما المستخفي الخائف من الله فهو قريب الى الله .
* الرضا بالجهل وترك التفقه بالدين :
قال تعالى :
"إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ"
فاطر 28 .
فالجهل من أعظم أسباب القسوة وقلة الخشية من الله.
* اتباع الهوى وعدم قبول الحق والعمل به :
قال تعالى :
" فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ"
الصف 5
وقال تعالى:
" ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ"
التوبة 127
* النظر فى كتب أهل البدع والتأثر بمذهبهم :
فان الاشتغال بها يصرف المسلم عن الكتب النافعة ويحرمه من الانتفاع بها .
وقال الشافعي : المراء في العلم يقسي القلوب ويورث الضغائن .
* الكبر وسوء الخلق :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَهْلِ النَّارِ : كُلُّ عُتُلٍّ جَوَّاظٍ مُسْتَكْبِرٍ"
متفق عليه.
* الإغترار بالدنيا والتوسع في المباحات :
فالإكثار من ملذات الدنيا والركون إليها مما يقسي القلب وينسيه الآخرة كما ذكر أهل العلم .
* كثرة الضحك والإنشغال باللهو :
فإن القلب إذا اشتغل بالباطل انصرف عن الحق وأنكره واشتبه عليه .
وفي الحديث :
" إِيَّاكَ وَكَثْرَةَ الضَّحِكِ فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ"
رواه الترمذي.
* مخالطة الناس وفضول النظر والطعام والنكاح :
فالقلب يصدأ وتذهب حلاوته ويقل فيه الإيمان بالإكثار من ذلك.
* وهناك مواطن يتفقد العبد فيها قلبه :
فى الصلاة , و عند تلاوة القرآن , و عند التعامل بالدرهم والدينار ,
وعند انتهاك المحارم وعند حاجة الفقراء والمساكين ،.
فإن وجد قلبه وإلا فليعز نفسه على موته .
أمور ترقق القلب وتزكيه :
(1) المداومة على الذكر :
قال تعالى :
"الا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"
الرعد 28
وشكا رجلُ الى الحسن قساوة قلبه فقال : أدنه من الذكر.
(2) سؤال الله الهداية ودعاؤه :
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يدعو :
"اللهم اهدنى وسددنى"
رواه مسلم,
(3) المحافظة على الفرائض :
قال الله تعالى:
"إنَّ الصَلاَةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ"
(4) تحرى الحلال فى الكسب وأداء الأمانة.
(5) الإكثار من النوافل والطاعات :
"وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَی بِالنَّوافِلِ حَتَّي أُحِبَّهُ" متفق عليه.
(6) الجود والإحسان الى الخلق .
(7) تذكر الموت وزيارة القبور .
قال أبو الدرداء : من أكثر ذكر الموت قل فرحه وقل حسده .
ويقول سعيد بن جبير رحمه الله :
لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي قلبي .
(
الحرص على العلم ومجالس الذكر :
قال الحسن : مجالس الذكر محياة العلم وتحدث في القلب الخشوع .
(9) الإكثار من التوبة والاستغفار,
وعدم الإصرار على الذنب قال ابن القيم رحمه الله :
( صدأ القلب بأمرين : بالغفلة والذنب ، وجلاؤه بشيئين بالاستغفار والذكر ...)
(10) النظر في سير العلماء و صحبة الصالحين .
(11) الزهد في الدنيا ؛
والتأمل في قصرها وتغير أحوالها والرغبة في ما عند الله من النعيم .
(12) زيارة المرضى وأهل البلاء ؛
ومشاهدة المحتضرين والاتعاظ بحالهم .
(13) الإكثار من تلاوة القرآن بتدبر وتفهم وتأثر :
قال الله تعالى :
( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ )
الزمر 23
هذا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم شديد التعاهد لقلبه يداويه ويصلحه ,
قالت عائشة :
"دعوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر يدعو بها :
يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ.
قالت : فقلت يارسول الله : انك تكثر تدعو بهذا الدعاء ؟
فقال : إِنَّ قَلْبَ الْآدَمِيِّ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِذَا شَاءَ أَزَاغَهُ وَإِذَا شَاءَ أَقَامَهُ"
رواه أحمد.
وكذلك كان السلف الصالح رضوان الله عليهم, يعتنون بقلوبهم أشد العناية ,
قال بكر المزني : ماسبقهم أبو بكر بكثير صلاة ولا صيام ولكن بشيء وقر في صدره .
* وليس من قسوة القلب الاسترواح بالأهل والأولاد والأحباب والضيعات ؛
فان للنفس إقبال وإدبار ولا بد لها من شيئ من اللهو ما تستجم به وتدفع به نصب العبادة ,
أخرج الإمام أحمد من حديث أبى هريرة قال :
"قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ : مَا لَنَا إِذَا كُنَّا عِنْدَكَ ، رَقَّتْ قُلُوبُنَا ، وَزَهِدْنَا فِي الدُّنْيَا ، وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الْآخِرَةِ ، فَإِذَا خَرَجْنَا مِنْ عِنْدِكَ ، فَآنَسْنَا أَهَالِينَا ، وَشَمَمْنَا أَوْلَادَنَا ، أَنْكَرْنَا أَنْفُسَنَا ؟
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
{لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ إِذَا خَرَجْتُمْ مِنْ عِنْدِي كُنْتُمْ عَلَى حَالِكُمْ ذَلِكَ ، لَزَارَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ فِي بُيُوتِكُمْ ،
وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا ، لَجَاءَ اللَّهُ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ كَيْ يُذْنِبُوا فَيَغْفِرَ لَهُمْ}
***************************************
إذا أعجبك موضوعي فلا تقل شكـراً .. بل قل الآتـي ::
اللهم اغفر له ولوالديه ماتقدم من ذنبهم وما تأخر..
وقِهم عذاب القبر وعذاب النار..
و أدخلهم الفردوس الأعلى مع الأنبياء والشهداء والصالحين ..
واجعل دعاءهم مستجاب في الدنيا والآخرة ..
اللـهم آميـن..
" والدال على الخير كفاعله "
مع تحيات ammar na95
"